ثورة الامام زيد رضي الله عنه

وثار زمن هشام بن عبد الملك وكان هذا الزنديق قد حاول إذلال الإمام زيد لما بينهما من فوارق جلية، فكان يغار منه غيرة جلية واضحة من تصرف هذا الطاغية الذي أراد إذلاله وبث العدواة بينه وبين بني عمومته، وعلى كل حال هذا الحسد كان بسبب ما كان عليه الإمام زيد، فقد قال الإمام أبو حنيفة: "ما رأيت مثل زيد ولا أفقه منه ولا أعلم منه".
وقد كان أبو حنيفة يفتي بالقتال معه في ثورته، روى ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر قال لي سالم مولى هشام: دخل زيد على هشام فرفع دينا كثيراً وحوائج فلم يقض له هشام حاجة وتجهمه وأسمعه كلاماً شديداً فخرج من عنده وهو يأخذ شاربه ويقبله ويقول: ما أحب الحياة أحد إلا ذل ثم مضى فكانت وجهته الكوفة ،وبرغم مكانة الإمام زيد الكبيرة إلا أن أمراء بني أمية أصروا على إذلاله مع أنه من بني عمومتهم ومن أهل البيت، فقرر عندها زيد أن ينظر إلى حقيقة هذا النظام الآثم المتعفن، وأدرك أن ما وقع عليه من ظلم وهوان هو يوميا يقع على مئات الناس في العراق وفي الشام وفي كل مكان آخر من الدولة الإسلامية، وأدرك أن هذا النظام الآثم الظالم المتعفن بدرن الفسق والفساد الأخلاقي سوف ينشر الفساد والفتن في العالم الإسلامي، ولقد كثرت في زمن بني أمية الفتن، فقد روى الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبين عن البابكي قال: "خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان منتصف الليل واستوت الثريا قال: يا بابكي أما ترى هذه الثريا أما ترى أحدا ينالها؟ قلت: لا، فقال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة وأن الله اصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم" راجع مقاتل الطالبيين ص 63.
من قرأ هذه الجملة من كلام الإمام زيد أدرك ماللذي أراده الإمام من دعوته للقتال ضد بني أمية، لقد كان يحلم أن تذهب الفتنة وتعود اللحمة إلى أمة محمد، تلك الفتنة التي بدأت بعد أن أخذ الملك العاض في التوسع والتجبر على حساب الناس وحريتهم، ولكن الإمام زيدا وقع شهيدا كنجم من بني هاشم يهوي إلى أسفل الأرض، ولكن الفتنة بقيت مستمرة بدون انقطاع لأنها وصلت للناس في العراق وجعلت منهم روافض، فلم تصلح ثورة الإمام زيد بسبب خذلان الروافض الذين كانوا نتيجة نظام فساد خلق الفوضى لإفراطه في استخدام القوة ضد معارضيه، ومنهم الإمام زيد، وملخص قصته رضي الله عنه أن أهل الكوفة بايعوه على خلع هشام بن عبد الملك فأجابهم لذلك، يقول ابن كثير- رحمه الله- في صدد بيانه ما حدث في هذه السنة: «فيها كان مقتل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان سبب ذلك أنه لما أخذ البيعة ممن بايعه من أهل الكوفة أمرهم في أول هذه السنة بالخروج والتأهب له, فشرعوا في أخذ الأهبة لذلك، فانطلق رجل يقال له سليمان بن سراقة إلى يوسف بن عمر نائب العراق فأخبره -وهو بالحيرة يومئذ- خبر زيد بن علي هذا، وكان معه من أهل الكوفة، فبعث يوسف ابن عمر يطلبه ويلح في طلبه، فلما علمت الشيعة ذلك اجتمعوا عند زيد بن علي فقالوا له: ما قولك -يرحمك الله- في أبي بكر وعمر؟ فقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدًا من أهل بيتي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلا خيرًا، قالوا: فلم تطلب إذًا بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرًا، وقد ولوا فعدلوا وعملوا بالكتاب والسنة، قالوا: فلم تقاتل هؤلاء إذًا؟ قال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم، وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإحياء السنن وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرًا لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل، فرفضوه وانصرفوا عنه ونقضوا بيعته وتركوه، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ».
وإن الإمام جعفر الصادق أراد الخروج مع عمه زيد وكان يجله، ومما يدل على ذلك أنه كان يمسك له بالركاب ويسوي ثيابه على السرج، وكذلك كان مؤيداً لعمه في خروجه واستأذنه في الخروج معه، فعندما أراد زيد الخروج إلى الكوفة من المدينة قال له جعفر: أنا معك يا عم، فقال زيد: أو ما علمت أن قائمنا لقاعدنا وقاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا؟ فتخلف جعفر بأمر عمه زيد، ولقد ذكر الطبري وابن الأثير أن جماعة من الشيعة قبل خروج زيد مروا على جعفر الصادق فقالوا له: إن زيد بن علي فينا يبايع، أفترى لنا أن نبايعه؟ فقال لهم: نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا. فجاءوا فكتموا ما أمرهم به. وكان جعفر يدعو لعمه بالنصر والتأييد فعندما أراد يحي اللحوق بأبيه زيد، قال له جعفر: أقرئه عني السلام وقيل له: إني أسأل الله أن ينصرك ويبقيك ولا يرينا فيك مكروها، وبعد أن مضى زيد شهيداً إلى ربه وجاء الخبر إلى جعفر قال: ذهب والله زيد بن علي كما ذهب علي والحسن والحسين وأصحابهم - شهيداً إلى الجنة.
-نقلا عن كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار ج2 ص 460-
وبقي  مع الإمام زيد فئة قليلة ربما وصل عددهم على الأكثر مئة أو مئتان أو ثلاثمئة، بينما واجه عدوا بالآلاف وقتل بعد معركة دامت يوما كاملا انتهت بعد أن أصيب الإمام زيد بسهم في الرأس، وعرض على الطبيب فقال إنه ميت من ساعة نزع السهم، فنزع السهم لما كان يسبب له من ألم، واستشهد رحمه الله بعدها بقليل، ثم أراد أصحابه دفنه بعيدا عن بني أمية لكيلا لا يمثلوا بجثته، ولكنهم عثروا عليها وصلبوه في المزبلة وهو عريان أربع سنوات كاملة حتى نسجت العنكبوت على عورته، وقد قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن إدريس، حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي، عن جرير بن حازم أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم في المنام متساندا إلى جذع زيد بن علي، و زيد مصلوب، و هو يقول للناس: هكذا تفعلون بولدي.
ولقد كان مع يزيد طائفة من أهل العلم منهم أبو حنيفة وقاضي همدان هلال بن حباب، وبايعه ومنصور بن معتمر ولكنه تخلف عنه فصام سنة تكفيرا لذنبه.
وقد أبو عوانة فارقني سفيان يعني الثوري كأنه زيدي ولقد صدق في هذا سنضع للثوري في هذا الكتيب نصيبا يبين أنه كان كذلك زيدي الرأي في مسائل الحكام وما خصهم وبه نختم الكلام عن قصة زيد لأنه إن ذكرنا هذا فإنما يذكرنا بقصة صاحب المسيح الصحابي بولس الذي صلبه الروم الوثنيون بالتعاون مع اليهود الذين كانوا أعداء عيسى عليه السلام وأعداء دعوته، فسبحان الله لقد شبه رسول الله أهل بيته وشيعتهم حقا بأصحاب المسيح، وسبحان الله إنها قصة تحدث مرة بعد مرة وتتكرر مع الزمن دلالة على صدق نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصدق رسول الله  وكذب أعداؤه.
فهذه دوما قصة صراع بين حلفاء القرآن: الإمام علي والحسين وزيد وشيعتهم أمثال ابن الأشعث والعلماء مع حلفاء السلطان والقائمة ما زالت طويلة.
وإنما الهدف من سرد قصص هؤلاء الأبطال هو توعية الناس أن تضحيات هؤلاء التي ساهمت في إبقاء الأمة مشاركة فعليا في الحياة السياسية، وإلا كان السلطان اظهرو في الدين كوراث لا يحمد لها عقبى وتغضب رب العزة حتى لا يذر عليها من دابة، فلنعتبر من تاريخهم الذي سعوا فيه إلى تغيير هذه الحالة السيئة التي تعيشها الأمة منذ قرون، إنهم سعوا لتنمية حس المسؤولية لدى المسلمين ليحموا حوزتهم، ولكن لما فقدت الأمة ثوارها انتهى بها الحال إلى نوم عميق أسفر عن سقوط آخر ممالكهم في القرون الماضية.
واستكمالا لموضوع الإمام زيد فإنه لم ينجح ربما في إزاحة بني أمية ولكن ترك أثرا كبيرا في نفوس الشيعة، وخاصة بعد أن فقد ابنه يحيى بن زيد في الثورة الأخرى، ويحيى هذا صاحب علم وعقل راجح ومما يثبت هذا ما نقله أبو فرج الأصبهاني في مقاتل الطالبين وذلك بعد أن حبس يحيى بالقيود ثم أخلي سبيله قال له أحد فقهاء السلطان واسمه نصر بن سيار أن يتقي الله ويتجنب الفتنة، فرد عليه يحي قائلا: وهل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك للدماء وأخذكم ما لستم له أهلا؟ فسكت نصر بن سيار ص 78.
جواب يحي للمتحدث باسم السلطان كان جوابا قاتلا له لهذا لم يجد له ردا، أي فتنة أعظم مما أنتم فيه؟ فرقتم أمة محمد وجعلتموها شيعا وقتلت بعضها ببعض، أفقط لتكونوا أمراء عليهم وهم كارهون وأنتم لست أهلا لها؟
وشاء الله أن تكتب الشهادة للإمام يحيى بن زيد، فقد سيروا له الجنود وحدثت معركة دامت ثلاثة أيام، وقتل فيها كل أصحابه وقتل معهم الإمام يحيى وقطع بعد ذلك رأسه وصلب رحمه الله وبقي مصلوبا رحمه الله، فجاءت الرايات السود لبني العباس من خراسان لتنقم من بني أمية أشد الانتقام وبطريقة فظيعة ربما لم يتصور بنو أمية أنفسهم أن يروا مثل هذا البأس والطغيان، لقد شاء الله أن تكون نهاية بني أمية نهاية مريرة جدا على يد بني العباس، فلم تاخذهم ببني أمية وشيعتهم أي رحمة، قطعوهم تقطيعا وأذلوهم وأباحوا دماءهم وأعراضهم، وفعل ببني أمية شيء فظيع حتى أخرجوا من قبورهم انطلاقا من معاوية بن أبي سفيان وأرادوا جلدهم بالسياط من النار.   
ولكن كل هذا بسبب أفعالهم الجهنمية، لقد أرادوا الشر فأمهلهم الله قليلا ثم أرسل عليهم من يسومهم العذاب وهو أشر منهم، وتغلب بنو العباس على الأمصار، وانقلب معهم علماء السلطان، فما كان قبل ذلك فتنة وخروج على ولي الأمر صار فتحا وجهادا في سبيل الله، فبعد تغلب العباسيين سكتت أصوات كل من كان يقول أن بني أمية أمراء ويجب طاعتهم، بل صاروا حميرا ويجب خلعهم، أما الخلفاء فهم بنو العباس.
ولكن بني العباس لم يختلفوا عن بني أمية كثيرا، فلم يرفع الغبن عن أمة محمد وإنما زاد الظلم، وما كانت ثورة بني العباس لله وإنما كانت انتقاما من بني أمية فقط، وزاد الوضع فسادا، ولقد امتنع أولاد عبد الله بن الحسن بن الحسن المعروف بالكامل عن بيعة العباسيين، فأصر العباسيون على ذلك وأرادوا إجبارهم، ولكن السفاح ترك الأمر، ولكن أبا جعفر المنصور لم يرضه فأسفر ذلك عن ثورة النفس الزكية وأخيه إبراهيم في العراق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق