أحاديث كثيرة وردت في كتب
مختلفة من رسول الله صريحة المعنى تحث الناس على أن يكون الخليفة قرشي النسب، أما أمراؤه
فلم تشترط ذلك الأحاديث، وإنما جاءت آثار تستحب أن يكونوا من غير قريش، ولكن هذه
الأحاديث التي تحث على أن تكون الخلافة في قريش لا تحظى برضى الكثير من الأمراء
والأحزاب السياسية ذات الطابع الإسلامي وذات الطابع الليبرالي.
أما الأمراء وأشياعهم
فسببها هو خوفهم على السلطة، أما الاحزاب الاسلامية فسببه التقليد الأعمى للغرب
وظنهم أن هذا احتكار للسلطة من جنس محدد، وهذا ينافي تمام العدل والحرية التي جاء
بها الإسلام للناس، ولكن هل هذا التعليل صحيح؟ في الحقيقة هذا التعليل صحيح نظريا
ولكن عمليا هو خاطئ، والحقيقة أن الحكمة من كون الخليفة قرشي تتمحور على أمرين: الأمر
الأول هو أن رسول الله ساعد الأمة على اختيار الخليفة واختزل الأمر على الأمة لكي
لا تكثر الدعاوي والأحزاب التي تجلب التفرقة للأمة.
الأمر الثاني هو كون قريش
هي القبيلة التي تتوسط العالم، فهم أوسط الناس نسبا وأوسطهم لونا وأوسطهم لسانا
ونزل القرآن بلسان قريش، وإن الله اصطفى قريشا لهذا الموقع من العالم لتمثل كل
الشعوب المحيطة بالمنطقة وتمثل العالم كله، فمكة قلب العالم وهي أرض قريش، ولكن
العجيب أن أمة محمد تمددت كثيرا وتمددت معها قريش بشكل عجيب وبالذات بنو هاشم من أولاد
الحسن والحسين، فلقد انتشر نسلهم في كل أمصار العالم الإسلامي في العراق والشام
والحجاز والمغرب واليمن ومصر، وصاروا وكأنهم يمثلون العالم الإسلامي وهذا مما بشر
به رسول الله فاطمة، وهو أن نسلها سوف يكون أكثر النسل إلى يوم القيامة في هذه الأمة،
وهذا أيضا مصدقا للحديث عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"
فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي يَقْبِضُنِي، مَا قَبَضَهَا وَيَبْسُطُنِي مَا
بَسَطَهَا، وَإِنَّ الْأَنْسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْقَطِعُ غَيْرَ نَسَبِي
وَسَبَبِي وَصِهْرِي "السنن الكبرى للبيقهي
13395
ووهذا يبين بقاء نسب
فاطمة إلى يوم القيامة وهم من أوسط قريش وخيرهم نسبا، واليوم أنسابهم معروفة
والجميع مدرك لها وموجودة في كثير من البلدان، ولها علماء مختصون يعرفون بالنسابة
وهم بمكة وبالمدينة المنورة والكثير من المناطق باليمن والعراق واليمن ومصر
والمغرب والجزائر.
وأفضل الأنساب على الإطلاق
في العلويين هو النسب الذي يختلط مع الأنساب الأخرى من جهة الأم، فيكون نسبا شاملا
لجميع الشعوب المسلمة لكي لا تحدث فرقة، فكل الأمم التي أسلمت من فرس وعرب وبربر
تجد أنه منهم حتى يسهل اجتماع الناس وعدم تفرقهم على الخليفة، وهذا من حكمة الله
وتسهيله للناس للاختيار من نسل فاطمة التي انتشر أولادها في الآفاق وهم من قريش،
ورسول الله بشر بأن العترة من أهل بيته لن تفارق القرآن وستبقى دوما معه حتى
القيامة وكأنها إشارة من رسول الله لهذه الأمة للتسهيل عليها في اختيار الخليفة،
وكان رسول الله يشارك أمته المشورة عبر التاريخ بنصائحه عليه الصلاة والسلام.
إن مشورة رسول الله دلتهم
على قريش، وأن خير قريش بلا منازع أولاد فاطمة، وأن أولاد فاطمة خيرهم من اختلط
نسبه بغالبية أنساب الأمم، فيبقى النسب محفوظا بحفظ الله سبحانه مصداقا للأحاديث
النبوية التي وردت ببقاء هذا النسب ليكون بمثابة إشارة لأمة محمد أن تختار منه أئمة
وخلفاء، كما أن أئمة هذا النسب يحظون بقبول من غالب الفرق في العالم الإسلامي، فأهل
السنة يتوافق هذا مع أفكارهم حول الإمام، والزيدية يوافق هذا تماما ما أرادوه، أما
الشيعة الإمامية فحالة خاصة لا يؤخذ عليها فلا إمام لهم ولا خليفة إلا محمد بن
الحسن العسكري الغائب حاليا حسب زعمهم ويظهر في آخر الزمان.
ولكن بمجمل القول فإن
النسب الهاشمي يحظى بقبول وخاصة الذي اختلط مع الأمم الأخرى لتحس الأمم الأخرى أنها
حقا تشارك في بناء الخليفة نسبا وفكرا وكل شيء لتجد فيه القرابة من جميع النواحي،
ليكون ابن الجميع لكي لا تقول أمة من أمم الإسلام سواء عرب أو فرس أو بربر أن
غيرها من الأمم استأثروا بالحكم دون غيرهم، ويبقى هذا مجرد فهم مني للأحاديث التي
سوف أسوقها والله تعالى أعلم.
- ففي صحيحي مسلم
والبخاري: قَالَ عَبْدُ اللهِ بن عمر: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ
اثْنَانِ» كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش.
- عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - وَفِي حَدِيثِ
زُهَيْرٍ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ
عَمْرٌو: رِوَايَةً - «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ،
مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ».
- عَنِ الزُّهْرِيِّ،
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، يُحَدِّثُ: أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ،
وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،
يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ، فَقَامَ فَأَثْنَى
عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ
بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ
اللَّهِ، وَلاَ تُوثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ
أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا
كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ» تَابَعَهُ
نُعَيْمٌ، عَنْ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وبالرغم من أن لفظ معاوية
هو أقرب الألفاظ إلى الحق فلقد اشترط أن تكون قريش على الحق وأن لا تزيغ عنه بقوله
ما أقاموا الدين، ولكن ماذا لو لم يقيموا الدين فلا طاعة لهم عند هذا ولا يتبعون،
وهذا لفظ فهم صحيح لمعنى الحديث، وهذا ما يبين لم قبل الحسن رضي الله عنه بيعة
معاوية، فقد كانت مشروطة بإقامة الدين والحق والابتعاد عن الظلم، ثم تغيرت الأمور
في آخر أيام ملك معاوية بن أبي سفيان.
وما يؤيد لفظ معاوية
ومذهب الحسن رضي الله عنه في الخلافة رواية أبي بكر الصديق في السنن الكبرى
للبيهقي برقم 16537 عن محَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي خُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى
أَمْرِهِ، قَدْ بَلَغَكُمْ ذَلِكَ أَوْ سَمِعْتُمُوهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، فَنَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ
الْوُزَرَاءُ، إِخْوَانُنَا فِي الدِّينِ وَأَنْصَارُنَا عَلَيْهِ. وَفِي خُطْبَةِ
عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدَهُ: نَشَدْتُكُمْ بِاللهِ يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أَوْ مَنْ سَمِعَهُ مِنْكُمْ، وَهُوَ يَقُولُ:" الْوُلَاةُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا
أَطَاعُوا اللهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ؟ فَقَالَ مَنْ قَالَ مِنَ
الْأَنْصَارِ: بَلَى، الْآنَ ذَكَرْنَا، قَالَ: فَإِنَّا لَا نَطْلُبُ هَذَا الْأَمْرَ
إِلَّا لِهَذَا، فَلَا تَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الْأَهْوَاءُ، فَلَيْسَ بَعْدَ
الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، فَأَنَّي تُصْرَفُونَ".
ولكن ماذا لو لم تتصرف
قريش وفق الطريقة الصحيحة فماذا ستكون عاقبة ذلك؟ في مسند أبي يعلى الموصلي نجد الإجابة
عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَرِيبٍ مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا لَيْسَ فِيهِمْ
إِلَّا قُرَشِيٌّ، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ صَفْحَةَ وُجُوهِ رِجَالٍ قَطُّ
أَحْسَنَ مِنْ وُجُوهِهِمْ يَوْمَئِذٍ. قَالَ: فَذَكَرُوا النِّسَاءَ
فَتَحَدَّثُوا فِيهِنَّ، وَتَحَدَّثَ مَعَهُمْ حَتَّى أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْكُتَ،
ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ» يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ، فَإِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ مَا أَطَعْتُمُ اللَّهَ، فَإِذَا
عَصَيْتُمُوهُ بَعَثَ عَلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى هَذَا الْقَضِيبُ
- لِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ - ثُمَّ لَحَى قَضِيبَهُ، فَإِذَا هُوَ أَبْيَضُ يَصْلِدُ
" مسند ابي يعلي الموصلي برقم 5024
والحديث بسند صحيح.
ولقد أثبت التاريخ هذا،
فكلما زاغ بيت من قريش أخرج الله الملك منه، ثم نزع الله من كل قريش الملك ولم يعد
لها ليومنا هذا، مع أنه كان فيها من أولاد فاطمة رجال كالذهب، ولكن أمة محمد فضلت
السلاطين على أولاد فاطمة، فتارة نصروا الأمويين عليها وتارة نصروا العباسين، وكل
مرة كانوا ينصرون طائفة عليهم أخرج الله منهم الملك، فمن نصر الأمويين عليهم فقد
سقط بسقوط الأمويين، ومن نصر العباسيين عليهم خسر بسقوط العباسيين، وماذا عليهم لو
نصروا هذا البيت الذي بشرهم نبيهم أنه لن يفترق خيرته عن القرآن؟
على كل حال فإن رسول الله
ترك أحاديث في فضل قريش ثم خص أهل بيته بهذه الأحاديث، وبين التاريخ من هم أهل
بيته المقصودون بالتفضيل، ولكن الأمة
اختارت غيرهم فذاقوا وبال أمرهم حتى سقطت آخر ممالك الإسلام واستبيحت الأمة
الإسلامية من شرقها إلى غربها، وضاعت وسط دهاليز الحضارة الغربية وورثت أمراضا هي
تعصف بها ليومنا هذا، ولو أنهم نصروا كلهم صوت الحق من اليوم الأول لما كان الوضع
على ما هو عليه الآن ولما وصلنا لما نحن فيه الآن، ولكن لله في خلقه شؤون.
المهم في هذا المقام هو أن
الخلافة في قريش بعلم تركه رسول الله لأمته آتاه الله إياه، وإن خير قريش ولد
فاطمة، وإن خير ولد فاطمة أجمعهم لأنساب الأمم التي دخلت في الإسلام، وإن أحسنهم
للخلافة أقربهم للناس باختلافهم عربا وعجما، وإن هذا الاختيار من رسول الله للأمة
رحمة بها من الفرقة وإبعادا لها عن الفرقة والفساد، وليس حصرا للحكم في قريش، وإنما
دلالة منه صلى الله عليه وسلم على بقاء الخير في قريش وذلك لبقاء الخير في أولاد
فاطمة.
فكيف تعدل الأمة عنهم
وتذهب لغيرهم وهم أجمع لأمة محمد باختلاف طوائفها وفرقها؟ إن هذه الأحاديث كلها
مشروطة ببقاء قريش قائمة بأمر الله وكتابه، وهذا مستمر ما استمر نسل الزهراء فاطمة
فهم أولى الناس بالخلافة رحمة لأمة محمد من الفرقة والاختلاف لما لهم من شرف النسب
وما ورد في أن نسلهم يبقى فيه الخير الكثير إلى قيام الساعة، وبهذا نختم هذا
الحديث عن أمر قريش ونتطرق إلى قضية أخرى، ماذا لو اختلف الناس على رجلين صالحين
من ولد فاطمة عليها السلام أيهما أصلح؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق