الحكمة
من تشريع الشورى في حياة الإنسان:
لقد خلق الله الجن وأفسدوا في الأرض،
وخلق الملائكة عبادا له يسبحون بحمده لا يتحركون إلا بأمر منه سبحانه وتعالى
ويفعلون فقط ما يؤمرون.
إن الله خلق الإنسان ليكون مختلفا
عنهم، فالله أراده أن يكون مصلحا، وأراده أن يتعلم كيف يتصرف من تلقاء نفسه
الداخلية من تلقاء الفطرة، لقد أراد الله أن يثبت للملائكة أن آدم مخلوق يستحق
التكريم إذ أنه يعمل على اتخاذ القرار الصحيح من تلقاء نفسه رغم ما عنده من شهوات.
يريد الله أن يرى بشرا يجتمعون
يتشاورون يتدافعون تدافعا في تكامل خلقي عجيب رغم عيوبهم رغم شهواتهم هم في
تدافعهم يشكلون جسدا واحدا، رغم اختلاف ألوانهم رغم اختلاف ألسنتهم ورغم اختلاف
الكثير من الأشياء هم يسعون جاهدين كأنهم جسد واحد لتحقيق ما أمر الله به في الأرض
وفي النهاية ينجحون.
أليس هذا هو الخلق المثالي؟ أليس هذا
هو جوهر التحدي في الحياة الإنسانية؟ وهو خلق نظام عالمي انطلاقا من الذات البشرية
التي تحوي كل تلك العيوب والشهوات ومع ذلك تتجاوز كل تلك العيوب والشهوات لتتحد مع
الذوات الأخرى مكونة عالما خاليا من الظلم خاليا من الصراع خاليا من سفك الدماء
عالميا ربما ليس مثاليا كعالم الملائكة، إلا أنه في عرف الإنسان يسمى عالما
مثاليا.
هذا ما أراده الله وهذا ما أراده من
خلق الإنسان هكذا، وهذا ما أراده عندما أعطاه الحرية، وهذا ما أراده عندما أمر
رسول الله بالشورى.
إنسان يترك غروره وشهوته يترك مصالحه
الشخصية، إنسان يتواضع ليشاور من هم أقل منه علما ليشكل معهم عالما يرضي الجميع،
نظاما يمنح الجميع الرضى، نظاما يكون تجسيدا لما أراده الله في الأرض منذ أن خلق
الإنسان، لا يمكن لهذا كله أن يكون له معنى لو لم يكن الإنسان حرا له حق المشورة
والإدلاء برأي فعال في صناعة عالم يتوافق مع ما يرضي الله.
لكن هل اكتمل هذا النظام أم لا؟
الحقيقة لا فهو يشبه بناء بدئ بناؤه منذ خلق الله آدم، وهو يعلو بفضل كل نبي مرة
ولقد كان رسول الله هو لبنة الختام في هذا البناء، ولكن جاء من أراد هدم البناء
قبل أن تكتمل قوته
لقد
ترك رسول الله الآلية ولكنه ولم تبدأ حملة تحرير الناس من جور الأديان الظالمة إلا
بعد موته صلى الله عليه وسلم، ثم سرعان ما جاء من حرف النهج السياسي للإسلام ليخدم
مصالحه وعطل اكتمال المشروع.
لقد نمى
مفهوم الشورى تدريجيا بعد موت رسول الله وفق ما اراده رسول الله صلى الله عليه
وسلم، بالتأكيد كانت التجربة في بدايتها لم تكن عامة ولم تكن مثالية لدرجة الكمال،
لكنها كانت كافية لتكون أفضل الفترات التي جاءت بعد الأنبياء في تاريخ البشر، ولعل
أول ما أسفرت عنه الشورى هي بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في المدينة المنورة
بعد موت رسول الله، ولعل البعض من ليس لهم علم شامل يرون أن رسول الله أوصى
بالخلافة لعلي، وهذا ينافي حكمة الله في الخلق وينافي القرآن في الأمر بالشورى،
وأيضا فإن رسول الله نبه إلى خطر مثل هذا الأمر، يعني خطورة الاستخلاف التي تورث عند الناس
التكاسل، بينما الشورى تورث عند الناس الهمة حتى وإن اختلفوا أول الأمر فيجب عليهم
تحدي طباعهم والعمل معا على تحقيق سلام يضم الجميع بما فيهم الخليفة المختار ليكون
قائدا للأمة، لأن الأمن الداخلي ضروري لمواجهة الحالة الخارجية المعادية لمصالح الأمة.
لكن قد يسألني أحدهم كيف
يمكن تطبيق نظام الشورى على أمة كاملة؟ أمة اختلفت فيها الأفكار واختلفت طباع
الناس وكثر عدد الناس ولا يمكن إن نصل لإرضاء الجميع؟ وهل نظام أهل الحل والعقد
كاف لحل المشكلة؟ نظام أهل الحل والعقد لا وجود له !!
لعلنا نسمع بيعة الحاكم
تكون لأهل الحل والعقد بينما لا علاقة للناس بها، والحقيقة أن هذه الفكرة نوع من
التدليس والدجل.
إذن كيف نحدد من هم أهل الحل
والعقد؟ ربما يمكن لأي طاغية أن يجعل مجموعة من العلماء الفاسدين يسيمهم لجنة الحل
والعقد أو لجنة البيعة.
وعموما إذا بحثت في مفهوم
الحل والعقد فإنك لا تجد له إلا أصلا واحدا وهو ما وقع من عمر في موضوع الستة الذي
وضعهم لاختيار الخليفة.
إن مفهوم أهل الحل والعقد
جاء من قصة الشورى التي وضعها عمر بن الخطاب بعد أن طعن رضي الله عنه وأسفرت عن
بيعة عمثان بن عفان رضي الله عنه، ثم حمل بعض العلماء هذا على أن مجموعة من الناس
من يحق لها تعيين الخليفة وتنصيبه وخلعه، وهذا حقيقة لا علاقة له أبدا بقصة عمر بن
الخطاب، وإنما هذا تأويل فاسد كتأويل بني أمية لعهد أبي بكر لعمر، ولنبرهن أن أهل
الحل والعقد الذين يختارون الخليفة من دون الناس لا أصل لهم ولكن توجد لجنة شورى
فقط.
أولا علينا أن نقول أن
عمر بن الخطاب كان سيترك الأمة كما تركها رسول الله بدون العهد لأي شخص محدد، وهذا
ما سنثبته، ففي الحلية بسند صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:" دَخَلْتُ عَلَى
أَبِي فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً فَآلَيْتُ أَنْ
أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرَ مُسْتَخْلِفٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ
رَاعِي إِبِلٍ - أَوْ رَاعِي غَنَمٍ - ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا لَرَأَيْتَ أَنْ
قَدْ ضَيَّعَ، فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ
رَفَعَهُ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُ دِينَهُ، وَإِنِّي إِنْ
لَمْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ
يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اسْتَخْلَفَ،
فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ بِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا، وَأَنَّهُ غَيْرَ مُسْتَخْلِفٍ"
ونفس الأثر بألفاظ مختلفة في مصنف ابن أبي شيبة ومسند البزار والبيهقي في شعب الإيمان
وصحيح مسلم والبخاري.
ويظهر جليا من كلام ابن
عمر أن أباه عمر رضي الله عنه لم يكن ليعدل عن سنة رسول الله إلى سنة أبي بكر،
وكان سيترك الناس بدون أن يستخلف أحدا، وقد قال عمر أنه لو كان مستخلفا أحدا
لاستخلف ابن أم عبد، يعني ابن مسعود لما سمع من رسول الله فضائله، وقد قال في
خطبته في البخاري المشهورة: وإن قوما سيطعنون في هذا الأمر، وهو أن الذين يطعنون
في الشورى قال أنه ضربهم بيده وإنما يقصد بني أمية لأنهم لم يرضوا بالشورى، وكانت
دوما قلوبهم تطمع أن تعود لهم السيادة والسلطة ولو جبرا، وخوفا من تسلط هؤلاء على
الناس اختار عمر الستة أصحاب الشورى ليكونوا هم اللجنة المسؤولة عن الشورى، فهل
كان يقصد أن يكون الخليفة منهم أم يكون خارج إطار الستة؟
إن لفظ عمر بن الخطاب عام
فلم يكن يقصد أن يحصر الخلافة في هؤلاء النفر الستة، فقد قال في خطبته في مسند أبي
يعلى الموصلي ج1 ص 216:
"فَإِنْ عَجِلَ بِي
أَمْرٌ فَإِنَّ الْخِلَافَةَ شُورَى فِي هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ الَّذِينَ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ
رَاضٍ، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ نَاسًا سَيَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَنَا
قَاتَلْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ فَعَلُوا فَأُولَئِكَ
أَعْدَاءُ اللَّهِ الْكُفَّارُ الضُّلَّالُ"
وإنما أراد أن يقول أن
هؤلاء الستة يمثلون الحالة الإسلامية باختلافها، ولا يمكن للمسلمين قاطبة في كل من
العراق والشام أن ينكروا فضل هؤلاء وخيرهم فهم الفئة الأولى التي عاشت مع رسول
الله أول دعوته، فلهذا هي الفئة المخولة بتمثيل الإنسان المسلم، وأيضا هنالك أحاديث
من رسول الله تبشر بفضلهم ومات وهو راض عنهم وكفى بهذا فضلا.
فلا يمكن اليوم أن نحمل
قصة أصحاب الشورى على مفهوم أهل الحل والعقد فكل من أصحاب الشورى الستة هم من كبار
أصحاب رسول الله وخيرتهم، ولا يوجد مسلم أو مؤمن سينكر فضلهم ولا يقبل بهم، بل
غالبية المسلمين سيقبلون على بيعة من ارتضوه منهم، ومع ذلك فإن عبد الرحمن بن عوف
يبين أن دور الستة ليس اختيار خليفة منهم فقط بل مشاورة الناس، وهذا بالضبط ما
قصدته من كون عمر لم يرد من الستة أن ينتخبوا خليفة منهم فقط بل أشار عليهم أن
يشاوروا الناس ويكونوا بمثابة السفراء عن الناس في قضية الاختيار بمثابة العرفاء
الذين يمثلون الناس في اختيار الخليفة فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "وَإِنْ
كُنْتَ يَا عُثْمَانُ عَلَى شَيْءٍ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَحْمِلْ بَنِي أَبِي
مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ
النَّاسِ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَحْمِلْ أَقَارِبَكَ
عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَتَشَاوَرُوا، ثُمَّ أَمِّرُوا أَحَدَكُمْ قَالَ:
فَقَامُوا لِيَتَشَاوَرُوا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَدَعَانِي عُثْمَانُ
فتشَاوِرَنِي وَلَمْ يُدْخِلُنِي عُمَرُ فِي الشُّورَى، فَلَمَّا أَكْثَرَ أَنْ
يَدْعُونِي قُلْتُ: أَلَا تَتَّقُونَ اللَّهَ؟ أَتُؤَمِّرُونَ وَأَمِيرُ
الْمُؤْمِنِينَ حَيٌّ بَعْدُ؟ قَالَ: فَكَأَنَّمَا أَيْقَظْتُ عُمَرَ فَدَعَاهُمْ
فَقَالَ: أَمْهِلُوا، لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ، ثُمَّ تَشَاوَرُوا، ثُمَّ
أَجْمِعُوا أَمَرَكُمْ فِي الثَّلَاثِ، وَاجْمَعُوا أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ،
فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْكُمْ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
فَاقْتُلُوهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ
مَعَهُمْ، لِأَنِّي قَلَّ مَا رَأَيْتُ عُمَرَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِلَّا كَانَ
بَعْضُ الَّذِي يَقُولُ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ اجْتَمَعُوا،
فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: "إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ
لَكُمْ مِنْكُمْ، فَوَلَّوهُ ذَلِكَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ وَلَا ذَوِي غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ إِلَّا
اسْتَشَارَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ". مصنف ابن أبي شيبة عن معمر بن راشد عن
الزهري عن سالم - باب حديث الشورى الجزء 5-
وبالتالي فإن أصحاب
الشورى لم يكونوا مجموعة تختار وحدها دون الرجوع للناس، وإنما كانوا عبارة عن لجنة
تعمل على جمع مشورة الناس وتقريبها لتحقيق توافق يمكنهم من اختيار خليفة على الأقل
يكون أقرب ما يكون للناس، ولو أن هذه الطريقة لم تكن كاملة لأنها تصلح لزمن واحد
فقط لأن الفترة التي طبقت فيها يوجد فيها أصحاب رسول الله وفيهم أحاديث واردة في
فضلهم تجعل الناس ترضى وتقبل بهم، فكيف في زمن مثل زمننا وحكامنا الذي اختاروا أهل
العقد والحل من أشر الناس؟
فلا يمكن أن نحمل الناس
على فكرة كهذه، فهذا مناف للعدل، فلا أحد في هذه
الأيام بقي له فضل مشهود له من رسول الله، زد على ذلك أن الإسلام قد شمل
الناس جميعا من شرق الأرض إلى غربها وصار الناس سواسية فيه فلا أحد من أهل الزمن له
الفضل أو الأسبقية فيه كما كان على عهد صحابة رسول الله، وأيضا لقد تغير الناس
وتغيرت طباعهم وصاروا أكثر شكا وارتيابا، فلا يمكن أن نفرض عليهم جماعة تتكون من
عشرات العباد تفرض رأيها على ملايين من الناس، لأن هذا سيحدث فتنة ومشاكل داخل الأمة،
وإن الشورى مطلوبة في أمة محمد، وإن الزمن تغير كثيرا وصار من الضروري أن نعمل
بالشورى فيه، وهي الطريقة لاختيار الحاكم، وإن الهدف منها إرضاء المسلمين على
العموم.
لهذا لا بد من آليات
جديدة توضع للناس بدل صناديق الاقتراع الغربي التي لا تحدث أي أثر إيجابي في الأمة
الإسلامية، يجب أن نضع آلية جديدة نظاما هرميا قاعدته تكون عامة الناس وأعلاه يكون
القائد الذي سوف يمثل الناس جميعا.
هذا النظام يجب أن يكون قائما
على ثلاث أساسات وسيكون بديلا عن النظام الغربي في اختيار الشعوب قادتها.
الأساس الأول العلم،
والثاني المشورة على أساس هذا العلم المتوفر، وأخيرا الرضى ببيعة أحدهم على أساس
التدافع والتنازل عن المصالح الشخصية.
إن تمكنت الأمة من
الاستفادة من هذه الخطوات يمكنها إيجاد نظام قوي جدا يجمعها جميعا.
أما العلم فهو قائم على
التوعية الضرورية التي تكون بمثابة الأساس الذي يتعلم منه الناس كيف يختارون
الحاكم وكيف يجب أن تكون صفاته وكيف يمكن أن يميزوا بين الضعيف والقوي والأمين
والخائن وبين الصالح والطالح، انطلاقا من معرفة الناس بالكثير من سير الخلفاء الراشدين
وكيف كانوا وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه من التقى والبعد الظلم وكيف حققوا العدل.
وعلى العاملين لقيام هذا
النظام تعلم الحكم من قصص الخلفاء الراشدين والإلمام بسيرتهم والانشغال بهم دون
غيرهم، وأيضا عليهم الاشتغال بسيرة أهل بيت من أولاد الحسن والحسين لما فيها من
عبرة كبيرة ولما أرادوا من إقامة العدل وتحقيق السلام وإيقاف الفتنة، وعليهم
الاشتغال بشكل كبير بسيرة الرجل العظيم عمر بن عبد العزيز ونشرها في الناس نشرا
واسعا.
ولا ننسى دوما أن يعلموا
الناس كيف تعلم هؤلاء من المعلم الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكمثال بسيط
فإن عمر بن عبد الخطاب قال أنه سوف يقتص من أمراءه وكيف لا يقتص منهم وقد كان رسول
الله يقتص من نفسه.
يعني أن عمر بن الخطاب
هنا تعلم مفهوم أن يقتص من نفسه ومن أمراءه انطلاقا مما تعلمه من سيرة رسول الله،
وهذا مهم جدا للناس في تعليم الناس مثل هذه القصص، فهي سيتنمي عندهم النظرة
السياسية وتمنحهم الطريقة وتجعلهم أكثر وعيا للاختيار، وأيضا على المعلم أن يركز
على تعليم الناس سيرة أهل بيت رسول الله خصيصا لأنهم ولدوا وسط عالم يشبه عالمنا،
عالم مليء بالفتن، ربما الخلفاء الراشدون يمثلون العدل والخير أي يمثلون ما تكون
عليه الخلافة بعد إقامتها، ولكن أهل البيت يمثلون الصراع بعد سقوط الخلافة، يعني
يمثلون مرحلة تشبه المرحلة التي نعيشها، وهذا لكي يتعلم منهم الناس الطريقة المثلى
للتعامل مع المشاكل التي تواجههم لكي لا يقع الناس في الأخطاء التي وقع فيها الإخوان
والجماعات الجهادية، وعيب هذه الحركات عدم إلمام قادتها بالسيرة التي تخص أهل
البيت رضي الله عنهم.
ولهذا فإن العلم ضروري
يجب أن يكون على أساس الوصول إلى نتيجة وليس علما مجردا من النتائج، مثلا الحركات
الوهابية تنشر العلم ولكنه مجرد من هدف تغيير الواقع فهم لا يبثون العلم من أجل
تغيير الواقع بل يبثونه من أجل تغيير العقائد على مستوى الأفراد، أما ما يخص
التغيير الجماعي فإنهم يتحاشون ذلك خوفا من السلاطين أو ركونا لهم، وهذا حال
الدعوة الوهابية فإنما بناها صاحبها على أكتاف الأمراء لهذا ليست هي الدعوة
المنشودة.
إن الإسلام جاء بما تكره
الملوك والأمراء، ولهذا على صاحب الدعوة أن يكون متقينا أنه لابد أن ياتي يوم
للصراع لأن السلطان ظلوم جائر، ولن يدع الناس تنعم بالعلم الذي يمكنها من التحرر
ورؤية الحقيقة كاملة.
وأعود وأقول إن العلم يجب
أن يوجه صاحبه إلى إحداث ردة فعل وفق ما تعلمه ليس وفق العاطفة لأن العاطفة قد تضلله.
بعد أن يكون الإنسان
متعلما واعيا يصير عنده حس عملي، ذلك الحس العملي سيشكل النواة الأساسية لقيام
النظام العادل الذي ننشده منذ مئات السنين لإرضاء الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن يكون الإنسان قد
تعلم وصار واعيا وقادرا على اتخاذ القرار فلا يجب عليه التسرع، عليه الرجوع
لجماعته وأمته التي تعلم معها وينتمي لها للتشاور معهم، فطبيعة الإنسان تفرض نوعا
من الغرور بعد التعلم، لكن عن طريق الشورى بين الناس حول الخطوة التالية سيكتشف الإنسان
أنه ليس وحده من تعلم بل يوجد الكثير من الناس اكتشفوا أمورا هو لم يصل لها، وسيجد
أنه معهم يشكل التكامل، بينما لو اعتصم فقط برأيه وحده ولم يخالط أو يشاور أحدا فإنه
لن يكتشف عيوبه ولن يبصرها، ولكن بمجرد المخالطة والمشاورة يجد نفسه ربما عاجزا عن
فهم ظواهر فهمها غيره، وهكذا يشعر بالتواضع ويحس بالدفئ والحماية وسط جماعته لأنهم
يكملون النقص الذي فيه.
وهذا الاحتكاك الاجتماعي
والتبادل في الأفكار يولد دفئا بين الجماعة الواحدة ويعلمهم مفهوم الآية الكريمة
التي يقول فيها سبحانه وتعالى:" وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ
لِلْمُؤْمِنِينَ".
وهذه وصية من الله لمحمد
بن عبد الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فما بالك بمن هو أقل منه شأنا وكلنا كذلك،
فنحن أولى أن نخفض أنفسنا للمؤمنين ونستمع لبعضنا البعض ونجلس مع بعضنا البعض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق