امامة المفضول

هذه المسألة اختلفت الأمة فيها، فقال أهل السنة والزيدية بإمامة المفضول للأفضل، ولم تقبل بها الشيعة الإمامية فلم تقبل إمامة المفضول، والحق أن الحق مع أهل السنة والزيدية وأن الإمامية جانبوا الصواب في هذا، والقرآن يثبت ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى قص علينا قصة جعل فيها آية لنا وهي قصة طالوت عليه السلام، فلم يكن نبيا ولكن كان خليفة صالحا اختاره الله ليكون ملكا على بني إسرائيل ويسر له ذلك لما كان فيه من خير وحكمة، وصدق الله وعده فقد انتصر جيش طالوت على جيش الطاغية جالوت.
فإن الأمة لا تختلف على كون الأنبياء هم خيرة الأمة، ولكن الله أقر للنبي أن يكون جنديا من جنود طالوت يسمع له ويطيع مع غالبية الجنود، فقد قال سبحانه وتعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ".
والآيات تبين أن بني إسرائيل طلبوا من نبيهم أن يدعو الله ليبعث لهم ملكا يقاتلون تحت رايته وينصرون معه عن طريق الوحي الذي يأتي عن طريق النبي، وإن الله أوحى لنبيه صفة هذا الملك وكان تلك صفة طالوت، وقيل إنها الطول ولم يكن طالوت من أهل الحكم أو الملك والمال، وإنما كان فقيرا نسبه بعيد عن نسب الملك، فاحتجت بنو إسرائيل، فقال لهم نبيهم أن الله فضله بأمرين: الأول هو بسطة في العلم، أي أن الله أعطاه العلم الضروري ليكون الخليفة، ولكن أليس هذا العلم مع نبي الله الذي كان في بني إسرائيل؟ نقول نعم إن علم طالوت غير علم هذا النبي، فالله اختصه بعلم ضروري ليكون الخليفة، وخص النبي بعلم ليكون نبيا، وهذا يشبه قصة موسى والخضر، فالله خص موسى بعلم وخص الخضر بعلم مع أن موسى عند الله خير من الخضر، فكذلك طالوت خصه الله بعلم ليس عند النبي في بني إسرائيل وزاده على ذلك جسما قويا جدا، وهذا فقط من الله ليعلم الناس التدافع الحسن، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.
فما عند طالوت ليس عند النبي، وما عند النبي ليس عند طالوت، فيكمل بعضهم بعضا، فكان نبي بني إسرائيل في كل هذا تحت إمرة طالوت وهذا لما في طالوت رضي الله عنه من خبرة وعلم بأمور الملك وسياسة الناس أودعها الله فيه بالفطرة، فلم يكن طالوت من أهل الإمارة من قبل هذا قط.
فالإمارة لا تعني أن يكون الخليفة هو أحسن الناس، وإنما أن يكون صالحا وليس فاسد ويكون عارفا بأمور الناس ملما بطرق التعامل الحسن معهم، عارفا بطبائع النفس وسط التجمعات لكي يعرف كيف يتعامل مع المواقف التي تعترضه، وهذا ما اصطفى به الله طالوت، ولقد استعمل رسول الله عمرو بن العاص على جيش فيه كبار الصحابة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي سَرِيَّةٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَكَانِ الْحَرْبِ أَمَرَهُمْ عَمْرٌو أَنْ لَا يُنَوِّرُوا نَارًا، فَغَضِبَ عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَنَهَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِالْحَرْبِ، فَهَدَأَ عَنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ "
فكون عمر بن العاص كان عارفا بامور الحرب والتخطيط لم يعني هذا انه افضل من الصحابة الاخرين ولكن رسول الله امره عليهم في غزوة ولقد ظن عمرو بن العاص انه احب الى رسول الله منهم فسال رسول الله من احب الناس اليك فعن  عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَيْشٍ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَبَّ النَّاسَ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «وَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟» قُلْتُ: أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ ذَلِكَ. فَقَالَ: «عَائِشَةُ» قُلْتُ: إِنَّمَا أَعْنِي مِنَ الرِّجَالِ. قَالَ: «أَبُوهَا».
فعمرو بن العاص لما استعمله رسول الله ظن أنه خير من أبي بكر وعمر، ولكن رسول الله استعمله لقدرته العسكرية وليس لفضله وهنا صحت إمارة المفضول للأفضل ولا ضير في ذلك إن كان هذا الترتيب سيكون في صالح الأمة.

وفي نهاية هذا الكتيب أريد أن أنوه إلى قضية مهمة جدا أراها تغيب كثيرا في الكتب التي تتحدث عن شخصية القائد أو الإمام أو الحاكم وهي الرحمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق