الدفاع عن مذهب المعارضين للسلطان الجائر من الحديث النبوي

الأحاديث الدالة على جواز الخروج:
 1- حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحِزَامِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مِسْوَرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ قَطُّ إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَتَّبِعُونَ أَمْرَهُ، وَيَهْتَدُونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ أُمَرَاءٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ يُغَيِّرُونَ السُّنَنَ، وَيُظْهِرُونَ الْبِدَعَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ» الإبانة الكبرى لابن بطة والحديث رجاله ثقات.
2- أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَّ اسْتَكْتَمَنِي أَنْ أُحَدِّثَ بِهِ مَا عَاشَ مُعَاوِيَةُ، فَذَكَرَ عَامِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَهُوَ قَاضِي الْمَدِينَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «سَيَكُونُ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يَؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ   بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَا إِيمَانَ بَعْدَهُ»
قَالَ عَطَاءٌ: فَحِينَ سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْهُ انْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ هَذَا؟ كَالْمُدْخَلِ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِهِ قَالَ عَطَاءٌ: فَقُلْتُ: هُوَ مَرِيضٌ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَعُودَهُ؟ قَالَ: فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَكْوَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ.
قَالَ: فَخَرَجَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُقَلِّبُ كَفَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: مَا كَانَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صحيح ابن حبان رقم 177  والحديث صحيح السند ورجاله كلهم ثقات ولقد صححه الألباني أيضا.
وجدت أيضا الحديث في مخطوط غير معروف كثيرا وهو مخطوط حديث ابن مخلد عن ابن كرامة تحقيق عامر حسن صبري:
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ قَالَ حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ عُبَيْدِ الله بن رَافِعٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلا وَلَهُ حَوَارِيُّونَ فَيَمْكُثُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ يَعْمَلُ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ مِنْ بَعْدِهِمْ أُمَرَاءٌ يركبون رؤوس الْمَنَابِرِ يَقُولُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَيَعْمَلُونَ مَا تُنْكِرُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ أُولَئِكَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يُجَاهِدُهُمْ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ إسلام".

ابن عمر كان مذهبه أن يطيع الحكام ويسمع لهم، ولكن لما سمع الحديث من ابن مسعود تعجب أشد العجب لأن في الحديث دعوة صريحة للجهاد ضد هؤلاء الحكام وقتالهم، فكأنما أنكر ابن عمر هذه الدعوة ولكن أيقن يقينا أن ابن مسعود يستحيل أن يكذب على رسول الله لما يعرف من فضائل ابن مسعود الكثيرة، ولا يخفى ذلك على أحد من أصحاب رسول الله.
ولعل هذا الحديث هو الذي غير حياة ابن عمر كثيرا ليموت قتيلا رضي الله على يد الحجاج بن يوسف الثقفي، فقد بدأ في إظهار مواقف تخالف ما كان عليه من قبل، فلقد صار يجاهد الحكام الظلمة بلسانه، فأدى ذلك إلى موته رضي الله مسموما برمح طعن بها في فخذه، لأنه كان يرى موت ابن الزبير شهادة في سبيل الله ولا يرضى بالقدح فيه.
وفي هذا إشارة من ابن عمر أن ابن الزبير رضي الله عنه كان على صواب، فالشهادة لا تتم إلا لرجل مؤمن خرج يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

3- قَالَ إِسْحَاقُ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ: ثنا عَلِيٌّ: ثنا صاحب الأهان، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -وَعَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ-، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "الويلُ لأُمتي مِنْ ولدِ فلانٍ أَلْبَسُوهُمْ شيعاً وسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ" المنتخب من علل الخلال.
4- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنَ مَرْثَدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً عَلَى الدِّينِ فَلَا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ يَمْنَعُكُمُ الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ، أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟   قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ» غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ إِلَّا يَزِيدُ، وَعَنْهُ الْوَضِينُ، وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، عَنْ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ، مِنْ دُونَ الْوَضِين - حلية الأولياء وطبقة الأصفياء ورجاله ثقات ج 5 ص 165 باب يزيد بن مرثد ومنهم البكاء الموجد-
والحديث يبين أن السلطان والقرآن مفترقان لا محالة، ففئة تبقى مع السلطان وفئة تبقى مع القرآن، ويحدث بينهم صراع كما هو الحال دائما، ولقد حدث بين الحواريين والملوك اليهود ولقد قاتل أصحاب عيسى عليه السلام على دينهم قتالا شديدا، وصبروا صبرا شديدا، وأصابهم بلاء كبير، حيث قطعوا بالمناشير وصلبوا على الخشب، ومع ذلك لم يعودوا عن طريقتهم المثلى التي لم يرضها ملوك بني إسرائيل من اليهود.
هؤلاء الأمراء سيكونون أيضا في الأمة الإسلامية، وستشبه أمة محمد من سبقتها، وسيكون في أمة محمد حكام قلوبهم كقلوب اليهود، وسوف يتصدى لهم أصحاب علي رضي الله عنه كما تصدى أصحاب عيسى لملوك اليهود الفسقة الذين رفضوا دعوة عيسى ابن مريم عليه السلام.
لهذا علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي إن الله جعل فيك مثلاً من عيسى ابن مريم عليه السلام: أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى ادعوا فيه ما ليس له بحق)). إلا أنه يهلك في محبتي مطر يصفني بما ليس في ومبغضٌ مفترٍ يحمله شنآنه لي على أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إلي ولكني أعمل بكتاب الله ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله عز وجل فواجب عليكم وعلى غيركم طاعتي فيه، وما أمرتكم أو أمركم غيري من معصية الله فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف".
حقا لقد كان لنا في سيرة علي رضي الله عنه مثل قيم سيحكي فيه النهاية قصة طويلة جدا عن صراع بين القرآن والسلطان أقوام يعملون بالقرآن وسنة رسول الله، وسلاطين لهم جلادون سيقتلون بقوة وتجبر كل من يعارض ملكهم.
لقد أراد علي أن يقتل  هذا الفكر في المهد، حيث خرج لقتال معاوية لأنه كان يعلم أنه بعد هذا الفكر ستكون أيام سوداء ستصيب المسلمين وتؤدي في النهاية لهلاكهم وتداعي الأمم عليهم.
انقسمت الأمة الإسلامية إلى شطرين: مدرسة السلطان ومدرسة القرآن، فأما مدرسة القرآن فحملها عترة بيت رسول الله، وأما مدرسة السلطان فكانت لبني أمية، وبدأت بعدها حروب وعداوة بين الهاشميين والأمويين، وكأن القصة تحاكي نفس قصة أصحاب عيسى عليه السلام الذين قاتلوا اليهود وملوكهم الجائرين الذين أرادوا الانتقاص من عيسى وسبه، وكذلك بنو أمية بدأت بينهم وبين بني هاشم وشيعتهم حروب، حيث أراد بنو أمية الانتقاص من علي ولم يكن لهم ذلك، لقد اختلفت الأسماء فقط وتشابهت القصة، إنها قصة صراع بين الحق والباطل، صراع بين بيت  تربى على القرآن وبيت تشبع بغرور الملك والسلطة، إنها قصة صراع بين الثقل الأصغر والسلطان الجائر، هذا السلطان الذي كلما دنت منه الناس ابتعدت عن الله،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدا فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دنوا إلا ازداد من الله بعدا)  .البيهقي في سننه بسند صحيح وقد صححه الألباني،
لقد أراد أهل بيت رسول الله أن يتبع السلطان القرآن، وأراد الملوك أن يتبع القرآن أهوائهم وما يمهد لهم التسلط على رقاب الناس، فأظهروا في دين الله ما ليس فيه، وطعن اتباعهم في كل مؤمن معارض لسلطانهم، ولم ينج منهم إلا من قاتلهم أو اعتزلهم، أما ما خلا ذلك فقد هلك.

وإن أئمة السوء ابتدعوا لسلاطينهم الشبه، وجعلوا كل من يقاتلهم خارجيا، بينما هم من خرجوا على أمة محمد برها وفاجرها بلا تمييز فأذاقوها بلاءا شديدا، وإن أهل بيت رسول الله تصدوا لهم وضربوا لنا مثلا في التضحية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق