الذي ينظر إلى أمر
السلاطين يقول عندما تخالطهم ولو كانوا ظالمين المهم أن لا تعمل معهم في الظلم،
وهذا غاية السفاهة، فالنظام عبارة عن جدار قائم على حجارة بعضها على بعض، وإن كنت جزءا
من هذه الحجارة فإنك جزء من جسد الفساد والطغيان، حتى وإن كنت حجرا غير أساسي فإنك
تقدم دفعا للنظام الظالم القائم الذي يمنع الناس حقوقها ولا يقوم على ما يرضون،
ومبني على التجسس عليهم خشية ثورتهم عليه، فإن ثاروا قاموا بقتلهم والإفساد فيهم
شر إفساد.
هذا دوما حال جميع الأنظمة
الفاسدة، تمنع الناس حقوقها فإن ثاروا أذاقوهم أشد أنواع الألم، فكيف يرضى إنسان
مؤمن حقيقي أن يكون جزءا من هذا البناء الفاسد،
البعض الآخر يقول ربما إن
سقط النظام فسوف تحدث كوارث؟ قل له أنت أعلم من الله أم أعلم من رسول الله إذ أمرك
بالاعتزال، ففي صحيح بن حبان بسند صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ
عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ
عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلَا يَكُونَنَّ عَرِيفًا،
وَلَا شُرْطِيًا، وَلَا جَابِيًا، وَلَا خَازِنًا».
والحديث بلفظ مختلف عن
الطبراني في المعجم الكبير برقم 9498
عَنْ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَيْفَ أَنْتَ يَا مَهْدِيُّ إِذَا ظُهِرَ لِخِيَارِكُمْ
وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ أَحْدَاثُكُمْ، أَوْ أَشْرَارُكُمْ، وَصُلِّيَتِ
الصَّلَاةُ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا؟» قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: «لَا تَكُنْ
جَابِيًا، وَلَا عَرِيفًا، وَلَا شُرَطَيًّا، وَلَا بَرِيدًا، وَصَلِّ الصَّلَاةَ
لِمِيقَاتِهَا».
وفي المعجم الصغير عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أُمَرَاءُ ظَلَمَةٌ، وَوُزَرَاءُ
فَسَقَةٌ، وَقُضَاةٌ خَوَنَةٌ، وَفُقَهَاءُ كَذَبَةٌ , فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ
ذَلِكَ الزَّمَنَ فَلَا يَكُونَنَّ لَهُمْ جَابِيًا وَلَا عَرِيفًا وَلَا
شُرْطِيًّا» لَمْ يَرْوِهِ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَلَا
عَنْهُ إِلَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ تَفَرَّدَ بِهِ دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ،
وَهُوَ شَيْخٌ لَا بَأْسَ بِهِ رقم الحديث 564
وبعد هذه الأحاديث وآثار
السلف نجد أمراء أقل ما يوصفون به أنهم أبعد الناس عن الإسلام قولا وفعلا، ولا
علاقة لهم به، ثم تجد مجموعة من الخطباء والمفتيين يعملون عندهم ويتقاضون أجورا
شهرية وهدايا وجوائز تحفيزية، ثم يأتون لعوام الناس ليضلوهم باسم الدين، وهذا أسوأ
المصائب التي أصابت الأمة، إن العلماء الأوائل لم يرضوا مخالطة السلطان حتى في
الفراش لكي لا تمرض قلوبهم بهم ولا بأفكارهم وطريقة تحايلهم، فلا يوجد سلطان على
وجه الأرض أراد الخير ولم يجده، ولكنهم يقربون العلماء ليخدعوا الناس ويظهروا حبهم
للدين، بينما هم لا يحبون الدين أصلا ولا يهتمون له إلا عند خداع الناس والتحايل
على عقولهم وإيهامهم أنهم يحبون الدين عن طريق استجلاب خطباء وفقهاء ليس لهم عند
الله خلاق، فهمهم الدنيا لا يزهدون لا في قليل منها ولا صغير يحملون على السيارات
الفاخرة ليخرجوا على الناس في القنوات الإعلامية مدفوعي الأجر، عليهم ملابس غالية
لو بعتها لأطعمت بها مئة جائع.
والله صدق الفضيل الذي
قال أنه يستحي أن يأكل والعدل غير قائم، ولكن لا أدري لم لا يستحي علماء السلطان وقد
ملأ سلطانهم الأرض جورا وتبذيرا للأموال، وإن المبذرين إخوان الشياطين، ومع ذلك ويدخلون
عليه ويفتون الناس بطاعته، بل ويجعلون من خرج عليه باللفظ خارجيا، أما من حمل
السلاح للدفاع عن عرضه ودينه جعلوه كلبا من كلاب النار.
إن هؤلاء الخطباء والمفتين
مصيبة تجلب سخط الله سبحانه وتعالى، وإذا ظهروا في أمة لم يمهلها الله حتى أخذها
بالفتن والفوضى.
ولكن كلامي هنا موجه إلى
كل من حمل الكتاب وقرأه، ألست تخاف أن تكون من أتباع هؤلاء؟ ألا تخاف أن تكون ممن
خذل أهل البيت في ثورتهم؟ ألا تخاف أن تكون ممن وقف مع حزب السلطان ضد حزب القرآن،
ألا تخاف؟ كيف تستحل أن تأخذ دينك ممن رأته عينك يأخذ عطايا من سلاطين هم إخوان
الشياطين؟ كيف تأخذ دينك من فقيه وضع يده مع يد سلطان يبذر المال تبذيرا فاحشا؟
كيف تستطيع أن ترى وجهه المتبسم لأمراء قتلوا العدل وهو أسهل عليهم من شرب الماء؟
كيف تستطيع أن تسمع لكلام
رجل إذا رأى السلاطين تحرك كالكلب يهرع لهم وهم أنفسهم يملكون من المال م يرفعون
به الموت عن الجوعى في أراضي لا تبعد عنهم سوى بعض الساعات؟
كيف ترضون أن تأخذوا
دينكم من رجال اشتراهم السلطان الفاسق بمال قليل ودنيا فانية؟ كيف ترضون أن تأخذوا
دينكم عن أناس عاشوا في رحب سلطان ذل في زمنه المسلمون أي ذل وخذلوا أي خذلان؟
كيف تتركون حديث رسول
الله وسيرة أهل بيته والخلفاء الراشدين، وتتبعون إجماع جماعة لم تر نور العدل طول
حياتها ولا أحد منهم شهد الخلافة الراشدة؟
لا تستحق هذه الدنيا أن
نوالي عليها رجلا مقيما على الظلم ولو كان ظلمه على امرأته، لأن الظلم أسوأ ما يغضب
الله سبحانه ويعاقب عليه الأمم، وإن عذابه شديد أليم، عن أبي بكر الصديق أنه قال:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" إِنَّ أُمَّتِي إِذَا
رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ
اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ" مسند البزار.
وإن أشد خطر يورثه فكر
علماء السلطان الفتنة الكارثية التي تجلب مشاكل لا تنتهي، ولقد كان في بني إسرائيل
أحبار يتقربون إلى الملوك بالدين، فنتج عن ذلك أسوأ مرحلة في تاريخهم انتهت بزوال
ملك بني إسرائيل وهذا لأن هذا الفكر فيه مخالفة لفطرة الله التي فطر الناس عليها
فتحدث الفوارق بين الناس وتحدث المشاكل بسبب جور السلاطين، حتى إنهم يجعلون الناس يكفرون
من شدة ظلمهم، وعندما يصل الناس إلى هذه النقطة تكون عندها فتنة وفوضى لا حصر لها،
ولا يستقيم للناس نظام ويكثر الهرج، وهذا ما بينه الحديث النبوي الشريف عَنِ ابْنِ
عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَبْعَثُ [ص:723]
اللَّهُ أُمَرَاءَ كَذَبَةً، وَوُزَرَاءَ فَجَرَةً، وَأَعْوَانًا خَوَنَةً،
وَعُرَفَاءَ ظَلَمَةً، وَقُرَّاءَ فَسَقَةً، سِيمَاهُمْ سِيمَا الرُّهْبَانِ،
قُلُوبُهُمْ أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ، أَهْوَاؤُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، يَفْتَحُ
اللَّهُ بِهِمْ فِتْنَةً غَبْرَاءَ مُظْلِمَةً يَتَهَاوَكُونَ فِيهَا كَتَهَاوُكِ
الْيَهُودِ الظَّلَمَةِ».
والله إن القلوب التي تخشى
الله حق الخشية لها في هذه الأحاديث كفاية.
فلست بصدد ضرب الأمثلة
الكثيرة، وإن المؤمن إذا جاءه حديث رسول الله لم يعدل إلى حديث غيره حتى وإن حمل
على المناشير وقطع وصلب جسده، فليست الدنيا التي نستحق أن نجزع عليها وما هي بالتي
تدوم لصاحبها، والعيش يطيب في الدنيا إذا أحكم العدل فيها قبضته وكسرت يد الظالم.
ولم تنعم الأمة بهذا
الخير إلا زمن الخلفاء الراشدين الذين مشوا فيها بسيرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم وطبقوا ما أراده رسول الله منهم، وإن أول شيء في العدل الشورى وهي الضامن الأساسي
لاستقرار الأمة، فكل أمة تشارك في الشورى يكون لها فضل السبق على الأمم الأخرى،
وكل أمة تفقد حريتها تكون هي أسفل الأمم ويسلط الجميع عليها ينهبون خيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق