اختلاف ثورات اهل البيت عن الفكر الوهابي الجهادي

 الحركات الجهادية واختلاف فكرها عن فكر أهل البيت:
أولا أساس كل هذه الحركات هو الفكر الوهابي الذي ظهر في نجد، وهو مبني على تكفير مخالفي الجماعة، فمحمد بن عبد الوهاب لكي يحل له الأرض لأمير الدرعية محمد بن سعود أقر له بكفر جميع جزيرة العرب، وقال أن جزيرة العرب أطبقت على الكفر والشرك فأباح الجهاد فيها على أنه جهاد كفار بما فيها مكة والمدينة، وأحل له الغنائم التي ستكون مصدر رزقه بدل المال الحرام الذي كان يأخذه الأمير محمد بن سعود ظلما من الناس وهو مال كان يفرضه على الناس.
فالفكر الوهابي فكر أموي من حيث أمور السياسة، ولكن الأسوء أنه وسع من دائرة التكفير عن طريق فهم خاطئ للآيات القرآنية، وكان الفكر الوهابي جمع بين سيئات الفكر الأموي التسلطي، والفكر الخارجي وهو الفتنة التي تخرج من الشرق، وتسبب القتل الكثير، وخالفوا بذلك سيرة الأنبياء، فموسى عليه السلام لم يستحل قتل عدوه من قوم فرعون ولو أنه ظالم فقد قال الله في هذا: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ، وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40]
فرغم أن موسى قتله غير متعمد ومع أن المقتول ظالم كافر، فقد اعتبر الله ذلك غما وفتنة لموسى أنجاه الله منها وحفظه بعدها، فما بالك بأقوام يقتلون الناس عن طريق شبهة وليس حتى بحجة صحيحة، هؤلاء بالتأكيد أبعد ما يكونون عن أهل البيت.
بينما ثورات أهل البيت كانت تدعو إلى القسط والعدل وترى النهي عن المنكر بالسيف، ولكنها لم تكفر حتى القتلة ممن قتلوا أهل البيت وإنما قاتلوا على إقامة الحق والعدل ورفع الظلم والغبن عن الناس، وهذا عكس جميع الحركات الجهادية، فهي ذات أصول وهابية تشترط الكفر للقتال، فهم يقاتلون جميع الحكام على أساس أنهم كفار، ويعتمدون في تكفيرهم على كتب محمد بن عبد الوهاب ككتاب كشف الشبهات ونواقض التوحيد، وعلى أساسيات تلك الكتب يكفرون الحكام والجيوش التي تعمل معهم ويستحلون قتالهم باعتبارهم كفارا ومرتدين يجب قتالهم، وهذا فرق ساشع بينهم وبين ثورات أهل البيت.
أيضا هناك فرق آخر وهو استحلال الجماعات الجهادية لكل الوسائل بما فيها التي تؤذي الناس وتقطع الطريق وتقطع الشجر كالتفجير، فهم يستحلون تفجير جميع المناطق التي يكون فيها أعداؤهم حتى وإن أدى ذلك التفجير إلى قتل الأطفال والنساء وقطع الطرق والأشجار وإفساد معايش الناس، بينما نلتمس جليا التضحية بالنفس والسلطة عند أهل البيت من أجل حماية دماء المسلمين وعدم إراقتها، فكانوا لا يستحلون حرب العصابات ويرون أنها من الأعمال القذرة التي لا تصلح أن يقوم بها المؤمن أصلا، فكانوا لا يستحلون أن يموت بسببهم امرأة أو طفل، أو أن يقطعوا الأشجار، وهذا فرق كبير بينهم وبين الجماعات الجهادية التي زرعت الأرض بالقنابل والعبوات الناسفة بل ويفتخرون بوضعها.
الفرق الأخير والجوهري وهو كون أن قيادات أهل البيت كانوا يتصدون للمعركة بأنفسهم لهذا يستشهدون بسرعة لشجاعتهم فتجدهم في المقدمة، وهذا ما تثبته قصة الحسين وزيد والنفس الزكية وإبراهيم، فقد قتلوا لاندفاعهم بلا خوف وعدم تفكيرهم في الهرب أو التخفي وكتبت لهم الشهادة، وهذا عكس الجماعات الجهادية التي يهرب قادتها بعد تنفيذ العمليات فيتركون الناس خلفهم يتعرضون لأشد ويلات انتقام العدو.
وهذا لم يكن ليرضي أهل البيت، فقد كانوا يفضلون أن تقطع رؤوسهم على أن يتضرر الناس بظلم الظالمين، وخير من ضرب لنا المثل بهذا محمد بن الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكية، فلم يفر من المدينة حتى يقطع رأسه ويقدم لأبي جعفر المنصور لكي يوقف حملته على المدينة وينجو الناس من شره.
أما الآن فنجد بعض قادة الجهاد يحرض على كذا وكذا ثم يفر بجلده من بلد إلى بلد، ويعيش في بيوت تساوي الملايين بينما يعيش الناس بسبب دعوته أشد أنواع البلاء.
أن تفر وتترك الناس تلاقي ويلات انتقام العدو بسببك هذا أشد أنواع الخزي الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان، وهذا بالضبط حال جميع الحركات الجهادية يشعلون الحروب بالتفجيرات الغادرة ثم يفرون تاركين الناس تعاني من ويلات الانتقام الوحشي الذي يقوده الحكام الظلمة.
وهذا هو الفرق الشاسع بين ثورات أهل البيت والحركات الجهادية، وسبب فساد هذه الفرق وأفكارها هو أنها استسقت فكرها من عند علماء السلاطين وعلى رأسهم شيخهم مجدد دين السلاطين محمد بن عبد الوهاب، ولولا أن هذا النبع غير صاف وفاسد لم ينه الإسلام الناس عن اتباع علماء السلطان، ولكن الإسلام علمنا أن نحذر من علماء السلاطين الذين كانت أحد نتائجهم الحركة الوهابية التي تحظى بقداسة من طرف أتباعها ترقى إلى تكفير كل من انتقد شيخهم هذا، والحقيقة أن ما دعى إليه ابن عبد الوهاب أسفر عن ظهور دول لا علاقة لها بالخلافة الإسلامية، هذه الدول هي ترعى هذا الفكر الذي تتغذى عليه الجماعات القتالية المنتشرة في كل بقاع أراضي المسلمين وتنشر الفساد، وهذا كله بسبب علماء السلطان الذي ابتدعوا أفكارا لا تلائم إلا سلاطينهم، فهذا محمد بن عبد الوهاب وضع كل نقاط فكره لتبيح لأمير الدرعية أن يصير ملكا، ومن أجل بداية حملته العسكرية أعطى له ابن عبد الوهاب الفتاوى التي تبيح له القتل بحجة أن اهل الجزيرة مرتدون وأطبقوا على الشرك والكفر، فتحركت هذه الحملة العسكرية التي أسفرت عن نشوء أول دولة تحمل الفكري الوهابي في العالم الاسلامي، وهل كانت هذه الدولة دولة خلافة أو حتى هل سميت بالدولة الإسلامية؟
لا ولا شيء من هذا حدث، بل صارت فتن وسقطت المملكة العثمانية آخر المدافعين عن المسلمين بصدق، رغم عيوبها إلا انها كانت دولة تجسد بعض مبادئ الإسلام، وباختصار فإن عالم السلطان يجلب الشر ولهذا ورد التحذير من أخذ العلم عن عالم السلطان بل ورد النهي عن مجالسته، وربما من السلف من احتقره ولم يلق عليه السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق