الحث على الشورى ووجوب العمل بها للخروج من الجاهلية

مفهوم الشورى وفضلها
الشورى هي أن تشارك أحدا ما فكرة قصد الأخذ برأيه وليس قصد تشكيل واجهة سياسية لنظام محدد، وهنا هي تختلف مع الديموقراطية الغربية فالديموقراطية هي آلية لإعطاء فئة من الناس حق التشريع بينما لا تعطي لهم إلا نصيبا ضئيلا في الحكم، فالتشريع هو الأساس الحقيقي للحكم، وكلما كان هامش التشريع ضئيلا كلما كانت نسبة حكم الشعب ضئيلة، ولو قلنا بعبارة أخرى أن نسبة الحكم الحقيقي الذي تمارسه الشعوب الآن يكاد يكون منعدما لأن أغلب التشريع يمكن التلاعب بأحكامه لتكون على مقاس الحكام وسدة الرئاسة فقط.
ولهذا أقول أن الديموقراطية مشكل أكثر منه حل في هذا العالم، فهي تقرر مبادئ تتنافى مع العقل بشكل عام إذ أنها تفتقر لمفهوم المسؤولية، وتصلح لحكم مجموعة صغيرة جدا من الناس وليس نظاما كاملا، بل العكس قد تكون نظاما فاشلا لا يختلف فشله عن الاشتراكية نفسها، أول فشلها هي قضية التشريع التي سبقت ونبهت أنه لا يمكن للبشر الاتفاق على تشريع واحد فكل حسب ثقافته وميوله وشهواته.
وفوق هذا فإنها لا تعلم الناس تحمل المسؤولية، فيمكن لنصف المجتمع أن يختار والنصف الاخر لا يهتم أصلا وكأنه ليس مسؤولا أبدا عما يحدث في المجتمع، ومع ذلك تمر قرارات النصف على الجميع، أو ربما أقل من النصف، ومع ذلك يتقبلها الغرب، هذا يشبه ديكتاتورية ناتجة عن الخمول والتفريط في الحرية وهي لا تختلف عن ديكتاتورية ناتجة عن قهر وسلب للحرية، إذن لا بد أن تكون النظرية السياسية لنا أقوى بكثير من النظرية السياسية الغربية ألا وهي الشورى وهي من أول ما أمر به الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:" وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" وقال أيضا:" وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ".
هذا أمر مباشر من الله سبحانه وتعالى لأفضل خلقه أن يشاور أصحابه في الأمر كله، فإذا عزم فليتوكل على الله.
كيف تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا الخطاب:
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:  «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
الأحاديث الدالة على وجوب الشورى
"وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ".
فالله في بداية الآية مدحهم وجعلهم ممن استجاب لهم فقدم صفة الشورى في جماعتهم، ثم اأضاف لها صفة الانفاق، فالمتدبر في الآية الكريمة يجد أن الآية تجعل الشورى من الأمور العظيمة التي يتميز بها المؤمنون حقا الذين يستجيبون لله ورسوله.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ حِينَ طُعِنَ: " اعْقِلْ عَنِّي ثَلَاثًا: الْإِمَارَةُ شُورَى وَفِي فِدَاءِ الْعَرَبِ مَكَانَ كُلِّ عَبْدٍ عَبْدٌ وَفِي ابْنِ الْأَمَةِ عَبْدَانِ وَفِي الْكَلَالَةِ مَا قُلْتُ " قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ طَاوُسٍ: مَا قَالَ؟ فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَنِي عبد الرزاق.
عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَقْتُلُوهُ».
 عن عمر رضي الله عنه قال: "فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلَا ".
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَتْ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ، وَأَمْرُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ، فَظَهَرَ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهَرَهَا» السنن الواردة في الفتن، وقد ضعفه الألباني في سنن الترمذي من جهة صالح المري وأظنه قد جانب الصواب فالحق أقرب لصالح لأنه كان رجلا عابدا صالحا أثنى عليه سفيان الثوري خيرا، و أظن أحسن القول فيه ما قال أبو أحمد بن عدى: صالح المرى من أهل البصرة، وهو رجل قاص حسن الصوت، وعامة أحاديثه منكرات ينكرها الأئمة عليه وليس هو بصاحب حديث و إنما أتى من قلة معرفته بالأسانيد والمتون، وعندى أنه مع هذا لا يتعمد الكذب، بل يغلط شيئا.
و قال ابن حبان: صالح بن بشير المرى من أهل البصرة أقدمه المهدي إلى بغداد فسمع منه البغداديون.
ولقد تعمدت ذكر الحديث ولو فيه ضعف عند البعض في سنده من جهة صالح، إلا أن الحديث ينقل لنا واقعا معيشا، حيث تخالف الإرادة القرآنية في الشورى ويذهب بالناس نحو الفتنة وعدم الرضا وسفك الدماء من أجل الملك، ولهذا فترك سنة الشورى التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولى هو بوابة الشر والفساد وسفك دماء المسلمين، وهي طريق الألم والتطرف وظهور الفرق وكثرة الاختلاف بسبب بغي الناس بعضهم على بعض، ويقابل الاستئثار بالحكم دون المسلمين، ووراء كل هذا امرأة، فوراء كل ملك يورث الحكم لابنه أم ناقصة العقل تسيطر على السلطان، والسلطان يسيطر على الناس بقسوة سيفه.
والحقيقة تقال فيما قال في الحديث فالأمة لما اجتهدت بالشورى وأمرت عليها خيرها فتح لها كنوز فارس والشام وانتصرت جيوشها وسلطت على الأمم الأخرى، ولكن لما غابت الشورى سلط بعضهم على بعض وقتل بعضهم بعضا، ولم تمر إلا بضع قرون حتى كسرت شوكة المسلمين ودخل الكفار أرض المسلمين وأفسدوا فيها، وهذا ما عناه رسول الله ببطن الأرض والحق فبطن الأرض خير من أعلاها يوم يتسلط عليكم الكفار.
ولقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة تخالف سنة بني إسرائيل من قبل، فبنو إسرائيل كان يسوسهم النبي ثم يوصي إلى غيره بعده، بينما لم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وترك أمته تختار بنفسها لكي تتعلم أن تصطاد بنفسها، وتكون أمة واعية قادرة على الاتفاق والتشاور من أجل قيادة الإنسانية للخروج من الفوضى والجاهلية التي تعيشها.
فالشورى والمشاركة فيها ضرورة من ضروريات الخروج من الجاهلية، ولا يستقيم أن تكون الأمة واعية مسؤولة إذا لم تمارس الشورى بجميع الوسائل المتاحة، ولم تكن حرة فيها بالقدر المطلوب الذي يحتاجه الإنسان.
ولهذا كان عمر رضي الله عنه شديد اللهجة ضد كل من يغصب الأمة حقها في الشورى، وجعل المسلمين أحق الناس بالشورى دون تمييز بينهم، فقال  عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تَقْتُلُوهُ»
وقال في خطبته الشهيرة - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ - وَنَحْنُ بِمِنًى - أَتَانِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي مَنْزِلِي عَشِيًّا، فَقَالَ: لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَقَائِمٌ عَشِيَّةً فِي النَّاسِ فَنُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْتَصِبُوا الْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ "وهي بتمامها مذكورة في فصل بيعة أبي بكر فيما يلي هذا
ومن الآية الكريمة والأحاديث العامة فالشورى ليست بالشيء الهين الذي يمكن تركه، ولا بالمستباح تركه، بل هي السنة السياسية الكبرى لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والتي خالف بها بني إسرائيل، وهو مأمور بها من الله عز وجل في كتابه لرسول الله ولمن بعده الأمر أشد، فرسول الله كان أغنى الناس عن المشورة ومع ذلك فقد عمل بالآية الكريمة.
 عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - معرفة السنن والآثار- باب مشاورة القاضي.
والأمثلة كثيرة كالمشورة في بدر وأحد وغيرهما مما روي من الآثار التي أظهرت مدى تمسك رسول الله بالشورى، فمن ترك المشورة سواء في اختيار الحاكم أو تركه بعد اختياره فقد أتى منكرا عظيما، وخالف سنة رسول الله الكبرى التي بنى عليها النظام السياسي الإسلامي المخالف لطبيعة النظام السياسي في بني إسرائيل الذي كان قائما على الشورى.

لكن قد يقول قائل رافضي كيف يترك الله أمته بدون وصاية لرجل يقوم مقام رسول الله فيكون حجة على الناس، فنقول قولك هذا فيه صحة ونعلم وجه الصحة فيه، لكن فيه شر كبير قد غاب عنه عقلك، فسنة الوصاية والاستخلاف لا يناسبها الاستخفاف، وهو حال أغلب البشر للأسف عند اقتراب الساعة والتي بعث رسول الله بين يديها، فالبشر يزدادون سفاهة يوما بعد يوم وتزداد قلوبهم ضيقا، ولا يكادون يلتزمون مع أنفسهم فكيف يلتزمون مع غيرهم، ولقد بين لنا التاريخ المدون في القرآن حول قصص الأنبياء وخذلان الناس لهم، ما يؤكد أن طبيعة غالبية البشر هي خذلان الصالحين على أقل تقدير إن لم يكن اضطهادهم وإبادتهم، ولقد أظهر التاريخ الإسلامي مدى هوانة أبناء رسول الله على الناس، فكلما خرج منهم داع إلى الحق خذل وترك مذموما ومدحورا عند الناس، و كلما كثر فساد الناس وحبهم للدنيا وتعلقهم وبالتالي كرههم للصالحين وخذلانهم الأكيد لهم، لهذا فقد تفطن رسول الله لهذا المرض في الأمم بحكمته وعبقريته الفذة بعد فضل الله عليه فقرر أن يعدل عن طريقة الوصاية والاختيار، ونهج نحو طريقة أصعب عليه من حيث التبليغ، فهي طويلة ولكن أرحم للناس، وهي استعمال العلم كبديل للوصاية كسبيل مستمر لا ينقطع، يستعمله الناس في اختيار حكامهم، وبالتالي فإن رسول الله وكل لأمته حق اختيار حكامها عكس ما كان في بني إسرائيل حيث كانت الأنبياء هي من تختار لهم الملوك، وكما في قصة طالوت حيث كان النبي تحت قيادة من هو أدنى فالنبي خير من الملك ومع ذلك صحت إمامة طالوت لبني إسرائيل بصريح القرآن، وفي هذه القصة إثبات على صدق أهل السنة والزيدية في صحة إمامة المفضول على الأفضل.
ولكن نحن كأمة جديدة فإن لنا سنة جديدة أعطاها الله لنا بدل الوصاية وهي الشورى، حيث تكون للفئة الأكثر من المسلمين، وقد يحدث فيها الاختلاف وربما حتى لو كان فيها نوع من الاختلاف في البداية حول من هو أولى بالخلافة دون غيره، ولكن هذا الاختلاف أفضل من العقوبة التي يضعها الله لكل أمة تخالف أوصياءها، فمن يظن أن وصاية النبي لشخص دون آخر رحمة من الاختلاف فإنه لا يرى الجانب الآخر لها، حيث أنه لو ثبت بعض الخذلان للوصي من الناس فإن هلاكهم أقرب إليهم من نعالهم التي هي في أرجلهم. 
فقد روى الترمذي في سننه والحاكم فقال حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي اليَقْظَانِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ اسْتَخْلَفْتَ. قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ عَلَيْكُمْ فَعَصَيْتُمُوهُ عُذِّبْتُمْ، وَلَكِنْ مَا حَدَّثَكُمْ حُذَيْفَةُ فَصَدِّقُوهُ، وَمَا أَقْرَأَكُمْ عَبْدُ اللهِ فَاقْرَءُوهُ قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقُلْتُ لِإِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى: يَقُولُونَ هَذَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ. قَالَ: لاَ، عَنْ زَاذَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَهُوَ حَدِيثُ شَرِيكٍ.
وقد ضعف العلماء الحديث واتبعهم تقليدا في ذلك الألباني، وأظنهم ضعفوه من جهة عثمان بن عمير أبي يقظان الذي خرج مع إبراهيم بن عبد بن الحسن بن الحسن رضي الله في ثورته بعد موت أخيه عبد الله في المدينة المنورة، وهو متهم بالتشيع والغلو فيه وليس رافضيا، وأظن أن أهل السنة يعني السلف الصالح للألباني ضعفوه بلا حجة إلا لحبهم للسلاطين العباسيين وكرههم لكل من ناوأهم، وهذا داؤهم الأزلي،  وإلا فلا أجد سببا لتضعيفه غير حبهم لأحاديث الطاعة التي هي أولى بالتضعيف من غيرها لما فيها من مخالفة للدين والعقل، ومخالفة حتى لنهج من نسبوا إليهم الأحاديث، فلا أظن أن هذا الرجل بضعيف حتى وإن اتفق على ضعفه كافة شيوخ الجرح والتعديل في الرجال هي حب السلطان والدفاع عنه، فإن وجدتهم يطعنون في رجل خرج على سلطانهم فذرك منهم وعللهم التي في  الجرح والتعديل التي اكتسبوها بالتقليد واضرب بها عرض الحائط.
ولكن أحفظ لهم قدرهم فهم أوعية والوعاء فيه ما ينفع حتى وإن لم يعملوا بما قالوا ففي المزي قال عبد الله بن أحمد: قال أبو اليقظان: خرج في الفتنة مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، قال أبى: وكانت الهزيمة سنة خمس وأربعين.
والحديث في معناه صحيح وإن ضعف سنده، ولم يخطئ الترمذي إذ جعله حسنا وغرد الألباني بعيدا إذ ضعفه.
فالله عز وجل قد جعل في القآان بيانا واضحا يدعم معنى هذا الحديث، فبنو إسرائيل لما خالفت أنبيائها الذين كانوا مستخلفين من أنبياء آخرين وقتلوهم وخذلوهم قال الله تعالى فيهم: 
"وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ".
فالأمة التي تخالف أوصياء أنبيائها وتقاتلهم تضرب عليها الذلة، ويعذبها الله ويحرمها النصر على أعدائها، ويسلطهم عليها حتى يأخذها الله بهم، ويجعلها عبرة لكل الأمم التي تخالف أوصياء أنبيائها.
ولما لم تكن على الأمة الإسلامية وصاية كما تدعي الروافض وبعض الشيعة، فإن الأمة اختارت عن طريق سنة رسول الله التي تركها وهي الشورى، واستكملت التوافق مع بعضها وسرعان ما ظهر شبح الردة في ظل تلك الظروف الجد صعبة، ومع ذلك في ظرف عامين فقط استطاع الخليفة الذي اختارته الأمة أن يقمع الخونة ناقضي العهود، ثم انتقل إلى غزو الروم، فانظر إلى عظمة هذه النعمة فكيف انقلب عربي أمي جاهلي إلى فاتح ينشر دينا يمتد إلى آلاف السنين، ولو كان أبو بكر رضي الله عنه خليفة غير شرعي، وكانت الأمة قد غدرت بعلي حسب الاعتقاد الرافضي، فكيف يستقيم أن تقود هذه الفئة التي نقضت العهد أكبر توسع فكري عرفه العالم، فالحركة الاسلامية مختلفة عن حركة الكسندر والمغول ونابليون، بل كانت بدعا من الغرابة وكانت بدعا من الإنسانية  الصادقة في التضحية وكانت بدعا من حيث أنها تضرب المثل بالعربي الذي يبحث عن العدل ليس لنفسه فقط بل للعالم كله، لقد كانوا صادقين في نشر العدل والإسلام حتى أسلمت الشام لهم ثم العراق ثم فارس ومصر والبربر الصغار في شمال إفريقيا والكثير من البلدان، وكأنها عصا سحرية تأخذ عقل من يرى شعاعها، والعجيب الأعجب منه أن النواة التي نصرت الإسلام في المدينة المنورة تعرضت للاضطهاد فقط على يد مسلمين جدد من الشام ربما بعد 40 سنة من دخولهم الشام، وهذا أكبر دليل على أن الحركة الأولية للدعوة الإسلامية العسكرية لم تكن استعمارا، إذ لو كانت استعمارا لتفطن أهل المدينة لما سيحدث لهم لو أرخوا دفاعتهم، ولكن كانوا يدركون أنهم سيتعرضون لها ومع ذلك ضحوا من أجل المصلحة العامة للإنسانية التي مثلها وصول الإسلام إلى قلوب الشعوب الأخرى التي كانت تعيش تحت وطأة الجاهلية، ولقد ضحوا كثيرا من أجل ذلك دون تذمر لأنهم يثقون بأن الله سيمنحهم أجرا بأحسن ما كانوا يعملون.
فعندما نظرت إلى التاريخ أدركت أنه ما من عبقرية تنفع أبا بكر ولا عمر بعد ليصنعوا ما صنعوا، ولا خائن لوصية نبي يمكن الله له في الأرض مثلما مكن الله لأبي بكر وعمر في العالم لأن الله لا يحب الخائنين بل وأدركت أنهم مثلوا الروح الجماعية للإسلام الذي نقله رسول الله إلى الناس، فقد كانوا جميعهم رضي الله عنهم يشكلون جسدا متكاملا يبحث عن هدف واحد ولم يكن يحس أحدهم أن النفاق يزاول الحاكم للاستئثار بالسلطة، فلو كانت الحالة مبنية على هذا الشعور لما قامت لهم قائمة ولما خرجت لهم راية واحدة منتصرة، ولكن بفضل الله استطاعت الأمة الفتية تجاوز جاهليتها تحت قيادة الطود العظيم أبي بكر الصديق وقرن الحديد عمر بن الخطاب أسد الإسلام والفاروق، وحكيم الأمة وفارسها الشجاع  علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقلبها الحنون ورجلها المضحي من أجل درء الفتن  عثمان بن عفان الشهيد رضي الله عنهم وأرضاهم وغفر الله ذنوبهم ورحمهم، فقد كانوا خير سلف ولكل آياته التي تميزه، ولكن كانوا قبل كل شيء بشرا يخطئون فلا غلو فيهم وسيبقون كذلك، واستطاعت هذه الشخصيات التي تربت بدرجات مختلفة على يد العبقري  الفريد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أن تصنع جسدا إسلاميا متكاملا يجمع الأمة تحت مظلة الشورى لتنقل الرسالة الإسلامية بالخروج من ظلم الأديان إلى عدل الإسلام ومن الظلمات إلى النور، ولقد فعلوها ورب الكعبة، وكانوا بذلك أباطرة الإسلام الأربعة الذين لا ينازعهم أحد في منازلهم في هذه الأمة إلا رجل واحد قد تركه الله إلى آخر الزمن، ربما يجاوزهم لأنهم جاءوا بالخير بعد الخير ويأتي هو بالخير الكثير بعد الشر الكثير.
هذا ما تصنعه الشورى وهذا ما تتركه الخلافة من مثال عظيم ينشر النور وسط الظلمة والعدل وسط الظلم والسماحة وسط الجبروت، وهذا هو الإسلام الذي يمكن الله لأهله في الأرض مصداقا لقوله تعالى:" أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"، وصدقنا الله وعده ورسوله فقد ورث الأميون العرب المستضعفون أرض كسرى وقيصر، وبدلوا ضلال شعوبهم المستعبدة بإسلام أحرار فيه يعبدون بدل الصليب والنار الرب الواحد الجبار.

ولقد كان في هذا آية عظيمة لمن يفقه وينظر التاريخ ويشغل عقله قليلا سواء أكان نصرانيا مغترا بمن يطعن في تاريخ الخلفاء الراشدين، أو رافضيا غارقا في دائرة الكراهية التي يدفعه إليها تاريخ مليء بالمغالطات التي لا أصل لها سوى الجهل بسنن الله في الكون.
وسندرس إن شاء الله البيعات الإربعة للخلفاء الراشدين ونبدأها أولا بتعريف البيعة.
هي عقد شرعي يجمع الراعي والرعية كعقد الوكالة على العمل بسنة الله ورسوله بما فيها من إقامة العدل ومحاربة الكفار والظلمة والمارقين والتعاون عليها، ومقابل هذا يكون للراعي على الرعية الطاعة، ولا تنعقد البيعة الشرعية إلا برضى مجموع الأمة التي يناط عليها تطبيق الإسلام، فمن بايعه أهل أرضه فهم ملزمون ببيعته وحده وليس له الحق أن يقيم على غيرهم بأنه الخليفة حتى يبايعوا طائعين، فإن أبوا تركوا ما لم ينتهكوا حدا من حدود الله ولا يجب إجبارهم على البيعة.
وهذا التعريف المفصل خالفت فيه من قال بجواز عقد البيعة للخليفة بالواحد أو الإثنين، لنه فساد في الرأي إذن لصار لكل أصحاب هوى خليفتهم الخاص وانتشر الصراع والقتال من أجل السلطة، ولكن تنعقد على الأمة برضا غالبية الأمة وهذا تقييد أقسى وأقوى، وفوق هذا التقييد فلا يجوز للخليفة أن يجبر الناس على بيعته، فأما إجبار الناس على البيعة فلم يفعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإنما صدر من عمر بعض الكلام الغليظ لمن ترك بيعة أبي بكر، وكان عمر قرنا من حديد سريع الغضب سريع الفيئة فتلك بتلك رضي الله عنه  وما ضره هذا، أما عمر فلم يجبر أحدا، ولم يثبت عندنا هذا، وعثمان كذلك أما علي رضي الله عنه فقد ضرب المثل للناس في عدم إجباره أحدا على بيعته رضي الله عنه بل تركهم أحرارا، فقد ثبت في نهج البلاغة مع اعتقادي الجازم بكذب الكذب الصريح أنه لأمير المؤمنين وربما فيه بعض الكلام اليسير له الذي لو جمعته لوجدته يخالف كل عقائد الإمامية السياسية من كلامه والأرجح أنه من ثرثرة الفلاسفة في القرن الثالث، وهو لذلك أقرب 
إن الإمام رضي الله عنه قد بايع مكرها الناس ولم يكن يرضى بها وما يوافقه عند السنة ما رواه ابن الخلال في السنة حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَقْتُولٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَقْتُولٌ السَّاعَةَ. قَالَ: فَقَامَ عَلِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَأَخَذْتُ بِوَسَطِهِ تَخَوُّفًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «خَلِّ لَا أُمَّ لَكَ» . قَالَ: فَأَتَى عَلِيٌّ الدَّارَ وَقَدْ قُتِلَ الرَّجُلُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَتَى دَارَهُ فَدَخَلَهَا وَأَغْلَقَ بَابَهُ، فَأَتَاهُ النَّاسُ فَضَرَبُوا عَلَى الْبَابِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا قُتِلَ وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ خَلِيفَةٍ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ. قَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ: «لَا تُرِيدُونِي، فَإِنِّي لَكُمْ وَزِيرٌ خَيْرٌ مِنِّي لَكُمْ أَمِيرٌ» ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ. قَالَ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ فَإِنَّ بَيْعَتِي لَا تَكُونُ سِرًّا، وَلَكِنْ أَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُبَايِعَنِي  بَايَعَنِي. قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مَا سَمِعْتُهُ إِلَّا مِنْهُ، مَا أَعْجَبَهُ مِنْ حَدِيثٍ.
وفي نفس المصدر زاد قَالَ: فَفِي الْمَسْجِدِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي بَيْعَتِي أَنْ تَكُونَ خَفِيًّا، وَلَا تَكُونَ إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". قَالَ: فَقَامَ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: فَلَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُشْغَبَ عَلَيْهِ، وَأَبَى هُوَ إِلَّا الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا دَخَلَ جَاءَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَبَايِعُوا وَبَايَعَ النَّاسُ
السنن لابي بكر بن الخلال.
لقد ركز رضي الله عنه أن تكون بيعته إلا لمن رضي من المسلمين، وهذا في رد على كل الراوافض وعلماء السلاطين من السنة في آن واحد.
أما علماء السلطان وهم أكرههم عندي فيقولون بجواز بيعة القوة والتسلط، وعلي في هذا يثبت قطعا عدم إجبار الناس على البيعة.
أما الروافض الذي يضعون البيعة محل الوصاية ففي قوله: "إلا لمن رضي من المسلمين" دلالة على أنها بيعة مبينة على قاعدة الرضى والشورى وليست قاعدة وصية النبي بالوحي الرباني، ولو ثبت أنها بالوصية التي هي بالوحي فإنها لإرضائهم ومشورة لهم مصداقا لقوله تعالى: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا"
فلو كانت الخلافة  بالوصية وعلي هو الوصي لقال: فليبايعوني فإنه من لم يبايعني فقد خرج من رحمة الله  إلى سخطه ومن لا يرضى بي فإنه لم يرض بقضاء الله ورسوله، ولكنه قال:  وَلَا تَكُونَ إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فهو بهذا يؤكد تمام التأكيد على وجوب الرضى، فإن وقع الرضا ثم البيعة وجب الالتزام بها وطاعة الأمير المبايع وإلا فلا.

والمواضع التي شاور فيها رسول الله أصحابه كثيرة جدا، في يوم بدر ويوم أحد، وفي حادثة الإفك شاور عليا وأسامة في أمر عائشة رضي الله عنها، وغيرها من المواضع، وشاور أبا بكر وعمر في الأسرى يوم بدر، ولا حصر لهذا فقد صدق أبو هريرة في قوله عن رسول الله، ولهذا علينا أن نطرح سؤالا: لم أمر الله رسول الله مشاورة أصحابه؟ ألم يكن قادرا على إمداده بالوحي في كل أمر؟ أو لم يكن رسول الله وحده كافيا؟
الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بهذا، بل يتعلق بأن رسول الله ميت لا محالة وأن بقاء نظامه السياسي الذي بناه مرهون بمدى نجاح التربية السياسية التي علمها لأصحابه التي تتمثل في مشاركة القرار مع بعضهم بعض ليشكلوا بذلك جسدا واحدا متكاملا يكون كالبنيان المرصوص.
لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لهم في رسول الله قدوة حسنة يتعلمون منه أن يشاوروا بعضهم بعضا فيخفضون جناح بعضهم بعضا فيكون قويهم في مصلحة ضعيفهم وعالمهم في خدمة جاهلهم، ويتعلم بعضهم بعضا التدافع الحسن والعشرة والنصيحة لبعضهم البعض.
ولم يريد الله من الإنسان أن يقوم بكل هذا بينما أن الله قادر على حفظ الناس بالوحي، يعني يوحي لأمته المختارة بكل أمورهم وما ذلك على الله بعسير. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق